أنت هنا

"نواجه في الحياة العديد من الانتكاسات، ولكن يبقى الاستمرار وعدم الاستسلام هو الأمر الأهم،" تقول كوجين* البالغة 33 عاماً، وهي ناجية من العُنف القائم على النوع الإجتماعي، وتضيف قائلة: "لذا أريد أن أقول للنساء أنهن لديهن خياراً وبإمكانهن تغيير حياتهن."

لا يزال العنف ضد النساء والفتيات يشكّل أكثر انتهاكات حقوق الإنسان والمرأة على وجه الخصوص إنتشاراً في العالم حيث تتعرض حتى اليوم العديد من النساء لأشكال مختلفة من العنف وسوء المعاملة، منها اللفظية والنفسية والجسدية والاقتصادية. فقد أفادت دراسة أجْرتها وزارة التخطيط العراقية في عام 2012 بأن 36 في المائة على الأقل من النساء المتزوجات يتعرضن للعنف النفسي من قبل أزواجهن، و23 في المائة يتعرضن للعنف اللفظي، و6 في المائة يتعرضن للعنف الجسدي، و9 في المائة يتعرضن للعنف الجنسي.

تزوجت كوجين منذ أربع سنوات. فعندما توفي والداها، إعتمدت على إخوتها في الحصول على الدعم المالي، لكنهم بعد فترة وجيزة أرادوا تكوين أُسرة خاصة بهم، لذا قبلت كوجين عرض زواج من زميل لها في الكلية تعرفت عليه من خلال صديق مشترك. وأوضحت كوجين قائلة "كنتُ أظن أن هذا الزواج سيكون بمثابة بداية جديدة لي وأنه سيكون بإمكاني أن أبدأ حياة جديدة مع شخص مثقف يستطيع أن يوفر لي منزلاً آمناً."

"بدأت المشاكل بعد مرور بضعة أشهر على زواجنا. ففي كل مرة كنا نتجادل فيها، كان زوجي يذهب إلى عائلته ويشكو مني. وكانوا يتدخلون ليزيدوا الوضع سوءًا، وقد ظللت أخبرهُ أن هذه ليست الطريقة الصحيحة لحل مشاكلنا الزوجية، لكنه لم يكن يصغي إليّ.  كان يرفض حتى إنفاق النقود على اللوازم الضرورية لمنزلنا، ذلك الملاذ الآمن الذي كنت أحلم به لنا. وقد طلبتُ منه مراراً وتكراراً أن نقضي بعض الوقت معاً كزوج وزوجة، والخروج والقيام بأنشطة مثل أي زوجين، لكنه كان يرفض وبدلاً من ذلك كان يطلب مني البقاء مع عائلتي لمدة أسبوع. وعندما كنت أحتج، كنت أتعرض لسوء المعاملة حيث كان يضربني في بعض الأحيان ويلكمني، وفي إحدى المرات ضربني بشدة على وجهي حتى أننى أصبحت الآن أعاني من إعاقة سمعية... كنت أشعر ُ بأنني سجينة في بيتي، كنتُ يائسة ولم أكن أعرف ماذا أفعل فكنت أبكي الى أن أغفو."

كما تعرضتْ كوجين للعنف النفسي إذ كان زوجها يهددها بالطلاق بشكل مستمر، فالطلاق أمر محرم في مجتمعها حيث تقول: "كما تعلمون، ينظر مجتمعنا إلى الطلاق بشكل سلبي، حيث ينشر الأشخاص الشائعات ويلقون باللوم على المرأة ويعتبرونها بلا شرف. وقد كان زوجي يخبرني بأنه لا يريدني وأنه يفضل قضاء وقته مع أصدقائه. وقد غادرتُ المنزل عدة مرات ولكنهُ كان يأتي مع عائلته ويقنعني بالعودة. "

وعندما ساءت الأمور، فكرتْ كوجين بالإنتحار، وغادرت المنزل مرة أخرى. بعد تسعة أشهر، سمعتْ عن مركز المرأة الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان في بنصلاوة في أربيل، وزارت المركز مرتين، وعندما شعرتْ أنه بإمكانها الوثوق بالأخصائيين الاجتماعيين هناك، رَوَت لهم قصتها المؤلمة وأبلغتهم أنها ترغب في الحصول على الطلاق: "كنتُ عازمة على الحصول على الطلاق. فقد تحطمت عاطفياً وشعرت بالإنكسار. فأنا لم أكن أُعامَل بإحترام لذا أردتُ الخروج من هذا الزواج السام، لقد عانيتُ من الاكتئاب وبدأ شعري يتساقط و جلدي يلتهب كما بدأتُ أتناول الأدوية المضادة للإكتئاب."

وتروي كوجين: "بعد بضعة أيام، جلستُ مع محام لمناقشة قضيتي، لكنه أخبرني أنه ليس لدي أي قضية لأنني لم أكن أملك أي أدلة مادية أو تقارير طبية توثق الاعتداء، وأراد أخي حل المشكلة بالطريقة التقليدية. وكانت عائلة زوجي تطالبني بالعودة، وفعلتُ ذلك في نهاية المطاف ولكن بشرط أن أستمر في الذهاب إلى مركز المرأة."

وتحطي كوجين وهى فَرٍحة: "أعطاني المركز مساحة للتنفس حيث إستمع الأخصائيون الاجتماعيون إلي، وقدموا لي النصائح بالإضافة إلى معلومات عن حقوقي، وساعدوني على رؤية التحديات من منظور مختلف، وعلمتني جلسات التوعية التي حضرتُها أنني لستُ مضطرة أن أكون ضحية وأنه باستطاعتي إجراء تغيير، كما تعلمت كيفية التعامل مع مشاكلي بطريقة صحية وتجنب الإكتئاب. أنا الآن أعمل في المركز وأساعد النساء الأخريات على فهم مشاكلهن، وأستمع لهن وأتبادل الخبرات معهن ".

وتختتم كوجين حديثها قائلة: "لقد عدتُ الآن إلى المنزل، ولم يعد زوجي يراني تلك المرأة الضعيفة، وهو يحترمني الآن لأنه يرى مدى الثقة التي أصبحتُ أمتلكها. وفي الوقت الحاضر، أصبحتُ أشعر بالتمكين فقد كانت الوظيفة التي حصلت عليها بمثابة الحلم الذي تحقق. فأصبح لدي بعض الوقت لنفسي كما أصبح لدي دخل جديد. لقد غيرتُ حياتي؛ فالآن أستطيع الإختلاط مع النساء والتعلم منهن ومن تجاربهن."

*تمّ تغيير الإسم لحماية الناجية وحفاظًا على خصوصيتها.