أنت هنا

كانت سناء مراهقة في عمر الزهور تعيش حياة ملؤها الأمل والتفاؤل في سورية، تستمتع بممارسة هواية العزف على الغيتار الذي أحبته وكتابة الشعر الذي عشقته والإجتهاد في الدراسة التي واظبت عليها. كانت أكثر اللحظات سعادة لديها عندما كانت تخرج في عطلة نهاية الأسبوع في رحلة مع والدها وأشقائها للعب في حديقة الألعاب المائية.

إلا أن هذه الحياة البسيطة، والتي تشبه حياة الكثير من المراهقين في عمرها تغيرت في لمح البصر قبل ثمان سنوات عندما وجدت سناء نفسها ضحية حادث سيارة، هرب مرتكبه بعد أن اصطدمت بها مركبته، ففقدت على إثرها ذاكرتها وخلفت لديها جروحاً نفسية وجسدية عميقة.

قالت سناء وهي تروي ما حصل، "كنت في 13 من عمري وكنت متوجهة إلى السوق في منطقة الزبداني برفقة صديقتي عندما اصطدمت بي السيارة. أصبت بجروح عديدة وفقدت ذاكرتي تماماً لمدة شهرين كاملين. كنت مشوشة للغاية وفقدت كل احساس بكينونتي وحياتي."

كان أكثر ما أثار رعب سناء هو عدم قدرتها على التعرف على والديها وأشقائها وأصدقاءها، وهو ما تركها تعيش شعوراً عميقاً بالوحدة الممزوج بالخوف. قالت، "لم أكن أعرف ما حصل لي ولم أكن أعرف بمن أثق، فقد وجدت نفسي فجأة وسط بحر من الغرباء الطيبين."

عانت سناء خلال تلك الفترة من إضطرابات الإجهاد بعد الإصابة وأصبحت تعاني من كوابيس وذكريات من الحادث سببت لها ألماً وكرباً شديداً، وما زاد الأمور تعقيدا هو أن رحلة شفائها تعثرت بسبب الحرب التي بدأت في سورية في عام 2011 وإزدياد حدة النزاع بعدها. فعندما بدأت معركة الزبداني في شهر يناير 2012، خافت عائلة سناء المكونة من 4 أفراد على حياتها، فقررت بعد شهر من بدء المعركة الهرب إلى مخيم دوميز 1 للاجئين في محافظة دهوك في إقليم كدرستان العراق.

ويضم مخيم دوميز 1 ما يقارب 5000 لاجئ سوري فروا من الحرب بحثاً عن الأمن والأمان، فوجدوا الكثير من الخدمات التي تقدمها منظمات دولية وغير حكومية مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان والذي يدعم وحدة الصحة الإنجابية في مستشفى دوميز، ومركز شبابي ومركز اجتماعي للمرأة، حيث توفر هذه المراكز خدمات استشارية ودعم نفسي اجتماعي وجلسات توعية وأنشطة ترفيهية وبرامج مهارات حياتية للشباب والنساء.

 كان انتقال العائلة من الزبداني إلى إقليم كردستان العراق سبباً في فقدان سناء لشعورها بالاستقرار والذي كان قد بدأ يعود إليها ببطء شديد، فعادت إلى نقطة الصفر، حيث أثر النزوح والسفر الطويل على أي تقدم كانت قد أحرزته. 

ولدى وصول سناء إلى المخيم، تملّكتها مشاعر الوحدة والخوف بالرغم من محاولات والديها المستمرة لإخراجها من الخيمة التي كانوا يقيمون فيها.

تستذكر سناء، والتي تبلغ حاليًا 17 ربيعاً، تلك البدايات وتقول، "لقد دعمني كل من أمي وأبي بشكل كبير جداً، ظلوا يشجعونني لأعقد صداقات مع الجيران وأن ألتقي بأناس جدد، ولكنني كنت خائفة." ثم أضافت، "إلا أنه أصبح لي صديقة واحده اسمها مينا."

كانت مينا تحضر حصص محو الأميه التي كان يقدمها مركز المرأة الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهي التي شجعت سناء على حضور الحصص معها شارحة لها الخدمات التي سوف تجدها هناك مثل الدعم النفسي الإجتماعي للنساء والفتيات.

قالت سناء، "كنت سعيدة جداً بأن مراكز مثل مركز المرأة متوفرة، لأنني كنت أبحث عن فرصة للحصول على مشورة من مختص وإيجاد شخص يمكن أن يساعدني ويوجهني أثناء مشوار شفائي."

وأضافت، "أزور المركز منذ لثلاث سنوات، وقد شاركت في حصص محو الأمية والرياضة والخياطة وبرامج اليافعين لأحاول أن أتذكر أهم مهارات الحياة، وسجلتني الباحثات الإجتماعيات في أكثر عدد ممكن من البرامج والحصص لمساعدتي على استعادة ذاكرتي." كما صادقت سناء إحدى المتطوعات في المركز، والتي أصبحت تجلس معها مرتين في الأسبوع لمساعدتها على التدرب على الكتابة وتحسين النطق لديها.

كان كل الدعم والحب الذي حصلت عليه سناء من عائلتها والباحثات الإجتماعيات في مركز المرأة سبباً في جعلها تعود لتحلم أحلامها الكبيرة وتعمل على جعلها حقيقية. قالت سناء، "أود أن أعود إلى عزف الغيتار مرة أخرى، ولقد تواصلت بالفعل مع بيت الفنانين وهي المبادرة التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان في مخيم دوميز 1 لمساعدة اللاجئين الشباب لتطوير مواهبهم داخل المخيم، وسأبدأ حضور حصص الغيتار قريباً جداً."

******

صندوق الأمم المتحدة للسكان: العمل من أجل عالم يكون فيه كل حمل مرغوبا فيه وكل ولادة آمنة، ويحقق فيه كل شاب وكل شابة إمكاناتهم

للمزيد من المعلومات، يرجى التواصل مع القسم الإعلامي، الآنسة سلوى موسى smoussa@unfpa.org