أنت هنا

تحلم الكثير من الفتيات منذ نعومة أظافرهن بأن يجدن شريك وحب حياتهن، وأن يتزوجن وينجبن الأطفال، وأن يبنين بيت العائلة ليكون ملجأً دافئاً مفعماُ بالسعادة والأمل. إلا أن تحقيق مثل هذا الحلم يصبح عصياً على بعض النساء أحياناً عندما يكتشفن أنهن لا يستطعن الإنجاب.

"يصنع العقم شرخاً في أساسات حياتك حيث تفقدين القدرة على السيطرة على مستقبلك وإيمانك بقدرة جسدك وحتى إحساسك بنفسك وكينونتك كإمرأة"، تقول راوى، اللاجئة السورية من دمشق البالغة من العمر 43 عاماً.

وجدت راوى نفسها عندما كانت تعمل معلمة في روضة من رياض الأطفال تعيش قصة حب مع رجل إلتقته وهي في الثلاثين من عمرها. وتضيف:"كان الأمر مثالياً عندها. وقعنا في الحب وقررنا الزواج وتكوين أسرة. كان ذلك كل ما كنت أتطلع إليه فأنا أحب الأطفال ولذلك عملت في الروضة".

إلا أن الرياح لم تجري كما يشتهى الزوجان حيث اكتشفا بعد عام من الزواج وبعد العديد من الزيارات للأطباء والفحوصات أن راوى لا تستطيع الإنجاب. وتوضح راوى:"عندما علم الناس بعدم قدرتي على الإنجاب تغيرت ملامح وجوههم لدى رؤيتي لتتحول الإبتسامات التي لطالما اعتدت عليها إلى صمت يسوده الحرج والإرتباك... ألى صمت يصرخ في وجهي: أنت تعانين من خطب فيك".

ومع مرورالسنوات، ازداد الوضع للزوجين صعوبة، حيث اكتشفت راوى أن زوجها دخل في علاقة مع امرأة أخرى ولاحظت تغير أسلوبه ومعاملته لها حيث أصبح يناديها بألقاب تقلل من كونها امرأة مثل "العقيمة" محولاً إياها إلى خادمة في المنزل مانعاً إياها من الخروج منه. وقعت عندها راوى ضحية حزن ويأس لا يوصفان حتى أن فكرة الانتحار راودتها ليلاً ونهاراً.

وتقول راوى:"استجمعت في نهاية المطاف القوة وطلبت منه الطلاق، إلا أنه رفض واستمر بالرفض. أذعنت في نهاية الأمر ومننت نفسي أنني سأحرر نفسي في يوم من الأيام".

أكملت راوى ثماني سنوات من الزواج مع بداية الحرب في سوريا في عام 2011، والتي دفعت العائلة للهرب من دمشق، لتجد العائلة بعدها في عام 2013 ملجأً لها في مخيم غاويلان في إقليم كردستان العراق والذي يقطنه 8,300 لاجئ سوري.

زاد النزوح وآثاره على شعور راوى بالوحدة والرفض مما أوقعها في حالة تامة من الإكتئاب، إلى أن وجدت في يوم من الأيام منشوراً على باب خيمتها عن مركز المرأة الاجتماعي الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان في المخيم. وقد ضم المنشور جميع الخدمات التي يوفرها المركز للنساء خاصة اللواتي يبحثن عن دعم نفسي. قررت راوى بالرغم من فقدانها للأمل أن تجرب حظها وتغتنم هذه الفرصة.

تستذكر زيارتها الأولى للمركز: "أخبرتني الباحثات الإجتماعيات أنني لست وحيدة، وأنه بالرغم من أنني كنت أعاني بصمت فأنا لست الوحيدة التي تعاني من نفس المشكلة. استطعن إعادة جزء من ثقتي التي فقدتها في نفسي والتي جعلتني أؤمن أنه لا يجب أن يتم الحكم علي بناء على قدرتي على الإنجاب. جعلنني أحس أنه يوجد لي مكان في هذا العالم".

لقد تعلمت أن أعيش وأتأقلم مع فكرة أنني لن أنجب الأطفال، لذلك فأنا أقضي وقتي في الانخراط في الأعمال الفنية واليدوية بدلاً من الشعور بالأسى على نفسي

قدمت الباحثات الإجتماعيات لراوى ملجأ آمناً للحديث وقدمن لها النصح والإرشاد والدعم النفسي، كما شجعنها على حضور الأنشطة الترفيهية وجلسات المهارات الحياتية والتي واظبت راوى على حضورها ووضع حد لانعزالها.

وتضيف: "لم تأخذ الباحثات الإجتماعيات بيدي فحسب عندما كنت في أمس الحاجة لذلك، بل استطعن التواصل مع زوجي وإقناعه بحضور نقاشات حلقات التركيز المخصصة للرجال والفتيان والتي تركز على العنف القائم على النوع الاجتماعي وحقوق المرأة".

وأضافت مبتسمة، "لقد تعلمت أن أعيش وأتأقلم مع فكرة أنني لن أنجب الأطفال، لذلك فأنا أقضي وقتي في الانخراط في الأعمال الفنية واليدوية بدلاً من الشعور بالأسى على نفسي، كما أن زوجي تحسن كثيراً في معاملته لي فلم يعد يستخدم عبارات تقلل من إحترامي وبدأ يتقبل ببطء الوضع بأسلوب أكثر تفهماً وتعاطفاً."

* تم تغير الاسم للخصوصية والحماية

 

******

صندوق الأمم المتحدة للسكان: العمل من أجل عالم يكون فيه كل حمل مرغوبا فيه وكل ولادة آمنة، ويحقق فيه كل شاب وكل شابة إمكاناتهم

للمزيد من المعلومات، يرجى التواصل مع القسم الإعلامي، الآنسة سلوى موسى smoussa@unfpa.org