أنت هنا

"يعد تناول  العنف القائم على النوع الاجتماعي من أصعب المهام التي تواجه الصحفي"، توضح رنا حسيني، الصحفية الأردنية الحاصلة على جوائز والمؤلفة والناشطة الحقوقية. لقد كان لرنا حسيني  دور فعال في طرح ما توصف بـجرائم الشرف ضد النساء للرأي العام والتشجيع على تغيير القوانين في الأردن لإنزال عقوبات أشد بحق مرتكبي هذه الجرائم. أضافت حسيني: "أثناء الأزمات مثل تفشي جائحة فيروس كوفيد-19 يصبح أكثر صعوبة فهم تفاصيل هذه القصص دون الإضرار بالضحايا".

حسيني من بين صحفيين قلائل بالمنطقة يتولون تغطية العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل منتظم، وهو – بحسب منظمات كثيرة تعمل على مكافحته – بات أكثر انتشاراً حول العالم مع انتشار جائحة كوفيد-19.

يُعتبر الحجر وحظر التجوال والقيود الأخرى على التنقلات من التدابير الصحية الوقائية الضرورية القادرة على إنقاذ ملايين الأرواح خلال الجوائح. لكن بالنسبة للنساء والفتيات، فهذه التدابير تعد أيضاً مبعث خطر للعنف والموت، إذ لا يقتصر أثرها على زيادة مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي فقط، إنما هي أيضاً تحد من قدرة الناجيات على حماية أنفسهن من الجناة، وفي الوقت نفسه فهي تقلل من قدرة الناجيات على حماية أنفسهن من المسيئين إليهن، وتحد من قدرتهن على الحصول على الدعم والمساعدة المنقذة للحياة. وتم توثيق تكرار حالات من هذا القبيل  أثناء انتشار أوبئة أخرى سابقة في مختلف أنحاء العالم، وخلال تلك الفترات رُصد أيضاً تحمل النساء لأعباء بدنية ونفسية إضافية، فضلاً عن تحملهن ساعات أطول كمقدمات للرعاية.

ولتسليط الضوء على هذه القضايا المهمة، يحتفي صندوق الأمم المتحدة للسكان اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي أثناء النزاعات باستضافة منتدى إقليمي عبر الإنترنت للصحفيين من المنطقة العربية والعالم. والهدف من هذا المنتدى الذي يركز على الصحفيين والإعلاميين تسليط الضوء على الصلات بين الأزمات الصحية والتدابير الوقائية المرتبطة والمساواة بين الجنسين والعنف القائم على النوع الاجتماعي. ويناقش المنتدى الافتراضي  أيضاً أهمية تغطية هذه الموضوعات بشكل موسع، وكيف يمكن عمل هذا بشكل مهني ومسؤول وأخلاقي، وهو ما يُشار إليه بمسمى "النهج الذي يركز على الناجيات".

أزمة وباء فيروس كوفيد-19 من منظور النوع الاجتماعي 

لا تفرق الأوبئة الفيروسية بين الناس وهي تفاقم من أوجه اللامساواة القائمة. وفي حالة النساء والفتيات اللائي يعانين بالفعل من عدم المساواة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والمسؤوليات الأساسية، تأتي الأوبئة إليهن – ومعها تدابير السلامة المرافقة لها – مصحوبة بتحديات جمة ناتجة عن أوجه اللامساواة بين الجنسين والتمييز ضد المرأة.

فالنساء – على سبيل المثال – أكثر عرضة للإصابة بالفيروس من الرجال ببساطة لأنهن يشكلن أغلبية العاملين بالقطاع الصحي، إذ تبلغ النسبة 70 بالمئة طبقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، و تناهز التسعين بالمئة مثلاً في إقليم هوبي الصيني، حيث اكتشفت أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد . لقد أظهرت تحليلات الأوبئة السابقة أيضاً أن النوع الاجتماعي يؤثر بقوة على أنماط التعرض للعدوى وعلاج الأمراض المعدية على السواء. طبقاً لتقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية عام 2007، فإن "الأدوار الجنسانية تؤثر على كيف يقضي الرجال والنساء أوقاتهم، والعوامل المعدية التي يتعرضون لها، فضلاً عن طبيعة التعرض للعدوى ومعدل تكرار هذا التعرض وكثافته".

في الوقت نفسه، يقع على عاتق النساء مسؤوليات الرعاية أثناء الأزمات الصحية، حتى في المجتمعات التقدمية التي بها معدلات مساواة عالية بين الجنسين، وهو ما يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، إذ يسهل انتقاله بين أفراد الأسرة الذين يقضون وقتاً طويلاً متقاربين في مكان واحد. حتى من المنظور الاقتصادي، فالنساء هن الأكثر عرضة للمعاناة من آثار الجائحة، نظراً لأنهن يشكلن نسبة كبيرة من العاملين بالقطاع غير الرسمي وبنظام الدوام الجزئي، وهما نظامين لكسب الدخل يُرجح أن يختفيا أثناء فترات الكساد.

والأهم أن النساء والفتيات يعانين من عبء المخاطر المتصلة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. إذ تظهر التقارير الواردة من مختلف دول المنطقة العربية أن جائحة كوفيد-19 قد أسهمت في زيادة حادة في معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي، لا سيما العنف الأسري. وهناك تقارير قائمة على شهادات شهود أساسيين من دول مثل الأردن، وفلسطين، والعراق، ولبنان، ومصر، وتونس - وهذه ليست إلا أمثلة – تُظهر نمطاً مقلقاً من تزايد تقارير العنف ضد النساء، ما يسلط الضوء على الضعف المزمن في آليات الحماية القائمة وشبكات الأمان وسيادة القانون، حتى في الدول التي بها استقرار جيوسياسي كبير نسبياً. كما أنها تُظهر الدور المهم الذي يلعبه الصحفيون في تسليط الضوء على هذه التجارب، وإيصال أصوات النساء والفتيات، والتوعية باللامساواة المترسخة التي قد لا تظهر ضمن جملة الأخبار اليومية لكن يزيد بروزها مع تزايد معدلات اضطراب النظم الاجتماعية-الاقتصادية.

كيف نصيغ هذه القصص

وحول إمكانات تغطية قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء جائحة مثل كوفيد-19،تقول جمانة حداد الصحفية اللبنانية الشهيرة والكاتبة وناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة:"سوف يتطلب الأمر قدراً أكبر من الابتكار والإبداع من الصحفيات والصحفيين. لكن ليس هذا ممكناً فحسب، إنما هو ضروري أيضاً".

عندما يتعلق الأمر بتغطية قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء انتشار الأوبئة، فالمبادئ العامة التي أوردتها مختلف منظمات حقوق الإنسان والأطراف الفاعلة الأخرى تبقى سارية بحيث تركز أي تغطية إعلامية على الناجية. ونهج التركيز على الناجيات يسعى إلى تمكينهن عن طريق وضعهن في قلب التغطية. ويتضمن التعامل مع الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل يركز على الناجيات ,إعلاء أولوية المصالح الفضلى لهن وتطبيق المبادئ التوجيهية الخاصة بالسلامة والسرية والاحترام وعدم التمييز.

أثناء جائحة مثل كوفيد-19، تتراجع كثيراً قدرة الناجيات على تحصيل الخدمات المنقذة للحياة ويصبح تشارك قصص الناجيات بشكل آمن ومسؤول أمراً أكثر صعوبة. من ثم، فعلى الصحفيين تحري عناية إضافية أثناء محاولة الاضطلاع بتحقيقاتهم، وأن يعتمدوا دائماً على الأدلة الإرشادية الكثيرة التي تقدمها المنظمات الإنسانية. ولقد أصدر المكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان لمنطقة الدول العربية عدة أدوات مساندة حول هذا الموضوع، أحدثها الطبعة الثانية من "تغطية العنف القائم على النوع الاجتماعي في سياق الأزمات الإنسانية: دليل الصحفي". هذا الدليل يقدم إطار عمل صلب وقوي في هذا الصدد، لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع المنظمات المتخصصة في مساعدة الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بدلاً من محاولة التواصل مع الناجيات مباشرة. كما يجب أن يراعي الصحفي تدابير الصحة العامة مثل الحجر وحظر التجوال، التي تصعب على الناجيات الهرب من التنكيل إذا تم الكشف عن هوياتهن، لا سيما إذا اخترن الحديث عن العنف الذي تعرضن له. 

دعوة للانضمام إلى المناقشة 

ينعقد المنتدى الإعلامي يوم الخميس الموافق 18 يونيو/حزيران 2020، في اليوم السابق على اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي أثناء النزاعات، وأيضاً قبل انعقاد مؤتمر بروكسل لدعم سوريا والمنطقة في 30 يونيو/حزيران. إضافة إلى بحث المنتدى للموضوع مع تقديم صورة أوضح وأكثر مراعاة لقضايا النوع الاجتماعي، سوف تشمل الفعالية أيضاً تقديم نصائح ومعلومات عملية لتيسير تغطية الصحفيين لهذه القضايا، بما يشمل مشاركات من خبيرات في العنف القائم على النوع الاجتماعي ومقدمي الخدمات وناشطات معنيات بحقوق المرأة وآخرين. سوف يمثل النقاش التفاعلي منصة مفتوحة للصحفيين والعاملين بالمجال الإنساني والنشطاء والمشرّعين، لتناول وفحص الموضوع بشكل بناء، والهدف المشترك هو التشجيع على زيادة التغطية الصحفية عالية الجودة.

الدعوة باللغة العربية