الأمم المتحدة ، نيويورك – في بعض دول العالم، يعتبر شهر ايار/مايو وقتاً للاحتفال بالأمهات والعاملين الصحيين الذين يساعدونهم فى عمليات الولادة. وفي 5 أيار/مايو من كل عام، نحتفل باليوم الدولي للقابلات وعملهن المنقذ للحياة في كل مكان.
ومع ذلك، ففي شهر أيار/مايو الحالي، ومع اجتياح جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) للعالم أجمع، تأتى هذه الاحتفالات بنبرة حزينة. فمع عمل الأنظمة الصحية بأقصى طاقتها، ووضع القيود على الحركة، والمخاوف بشأن التعرض للمرض في منشآت الرعاية الصحية، تخاطر الأمهات والقابلات بصحتهن وحياتهن لجلب حياة جديدة إلى العالم.
وفي احتفالات هذا العام، يتقدم صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتهنئة للقابلات ويحتفى بالأمهات، ويدعو الشركاء والحكومات حول العالم إلى اتخاذ كل خطوة ممكنة لضمان سلامتهن وصحتهن.
الحمل أثناء تفشى الجائحة
أظهرت المقابلات مع النساء الحوامل حول العالم أنهن يعشن حالة من التيه، عالقات بين الأمل والخوف.
قالت ريم سلامة، 27 سنة، من مصر: "قبل ذلك لم أكن قلقة بشأن الدخول فى المخاض، أو أى مستشفى، لكن كل شيء قد تغير الآن".
وأضافت ريم: "لقد دمر فيروس كورونا كل خططي. الآن، يجب أن أختار المستشفى بحذر وأن أتأكد من عدم وجود أي حالات إصابة بها." توقفت ريم عن تلقي فحوصات ما قبل الولادة بعد الإبلاغ عن حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) في مقر عمل طبيبها. وعوضاً عن ذلك، تتحدث مع العاملين الصحيين عبر الهاتف.
لا يوجد حاليًا أي دليل على أن النساء الحوامل أكثرعرضة للإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) من غيرهن، ولا يوجد أى دليل على أن الفيروس يزيد من خطر الإجهاض. إلا إن التأثيرات على النظم الصحية يمكن جداً أن تعرض النساء للخطر.
إن الوباء يحد من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في جميع أنحاء العالم. ففي العديد من الأماكن، يتم تحويل الموارد الصحية إلى الاستجابة للوباء. إضافة إلى ذلك، تفيد النساء بأنهن يترددن في طلب الرعاية من المرافق الصحية خشية التعرض للفيروس، أو أنهن يواجهن حواجز أمام الحصول على الرعاية الصحية بسبب القيود المتعلقة بالإغلاق.
مع انخفاض إتاحة الرعاية الصحية الماهرة والجيدة للأمهات، ترتفع المخاطر على الأمهات وأطفالهن حديثي الولادة.
قالت إنحى ميركاج، 25 سنة، من ألبانيا: " بالنسبة لنا نحن النساء الحوامل، وخاصة بالنسبة لي وأنا أنتظر ولادة توأم، أشعر بالخوف. كيف سألد؟ يساورني القلق الشديد. وأفكر: كيف سيكون حال طفلاي؟".
القابلات في الخطوط الأمامية
كانت السيدة مركاج تحضر استشارة مع أرجانا بوجاني، رئيسة القابلات في المستشفى، التي طمأنتها بأنه يتم اتخاذ كل ما يمكن من إجراءات للحفاظ على صحة حملها. وعلى الرغم من ذلك، فإن السيدة بوجاني لازالت لديها مخاوفها، حيث قالت: "إن ما يحدث في جميع أنحاء العالم يضعنا في خطر أيضا"، "لكن أولويتنا هي النساء الحوامل".
عبرت القابلات حول العالم عن نفس التزام السيدة بوجاني. ففي إثيوبيا، على الرغم من أن القابلة جينيت أزماش لا تتهاون في الرعاية التي تقدمها للنساء الحوامل والأمهات الجدد، إلا إنها تخشى هي وزميلاتها من عدم وجود ما يكفي من معدات الحماية الشخصية لدرء الوباء.
وقالت السيدة جينيت أزماش: "ما نخشاه هو إصابة مقدمي الرعاية الصحية بعدوى فيروس كورونا قبل أن نخدم مجتمعنا، وتحديداً النساء الحوامل، بسبب نقص المعدات الوقائية مثل ما نراه في دول أخرى".
حتى في الأنظمة التي تقدم خدمات الأمومة ويتوفر لديها معدات الوقاية الشخصية حاليًا، توجد مخاوف بشأن استدامة هذه الإمدادات على المدى الطويل. يقول الدكتور تيناتين جاجوا، وهو طبيب ولادة في جورجيا: "إن عيادتنا بها مخزون من المعدات الخاصة، ولكن بسبب النقص في السوق الدولية، فإن سرعة تجديد هذا المخزون ليست عالية".
وتزداد هذه المخاوف بدرجة أكبر في الأنظمة الصحية التي تتعرض بالفعل لضغوط نتيجة الأزمات الإنسانية.
في جنوب السودان، يقارن القابل جوستين مانغوي هذه الجائحة بالحرب التي مهدت لإنشاء دولة جنوب السودان؛ فيقول: "الآن، حان دور العاملين الصحيين لمحاربة حرب فيروس كورونا من أجل بلدنا".
السيد مانغوي هو واحد من 26 قابلة قام صندوق الأمم المتحدة للسكان بإرسالهم إلى المستشفيات بجنوب السودان من خلال مشروع تعزيز خدمات القبالة الذي يهدف إلى خفض المعدل المرتفع لوفيات الولادة في البلاد. وقد تعلم هو وزملائه من القابلات أنهم سيقضون حياتهم المهنية لإنقاذ النساء في المواقف المروعة، ولكن لا أحد كان يعلم أنهم كذلك سيتعرضون للخطر في ظل الجائحة.
ويقول السيد مانغوى: "في هذه المهنة المعروفة تاريخيا أنها تضع دائما احتياجات المرضى أولاً، فإن درجة التضحية المطلوبة منا الآن غير مسبوقة".
الاستثمارات المطلوبة
ولكن على الرغم من الضغط وعدم اليقين غير العاديين، تواصل القابلات تقديم خدمة لا تقدر بثمن لمجتمعاتهن.
فهن لا يقدمن فقط خدمات الرعاية قبل الولادة والولادة الآمنة، وإنما يقدمن أيضًا مجموعة كاملة من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية – تتضمن استشارات تنظيم الأسرة وفحص الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي إلى رعاية ما بعد الولادة. كما يوفرن الرعاية للناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعى. كل هذه الخدمات يمكن أن تتوقف إذا عانت النظم الصحية من الضغط الشديد نتيجة للجائحة.
إن صندوق الأمم المتحدة للسكان يدعو صانعي السياسات والقادة والشركاء والمناصرين إلى حماية القوى العاملة في مجال صحة الأم – وبالتبعية حماية الأمهات أيضًا - بالموارد والدعم والمستلزمات المطلوبة لضمان استمرار توفر الرعاية الجيدة.
إن الاستثمارات في القبالة مطلوبة أيضاً لحماية صحة ورفاه النساء والمواليد الجدد، حيث يمكن للقبالة الجيدة أن تجنبنا أكثر من 80 بالمائة من وفيات الأمهات أثناء الولادة والإملاص (ولادة الأجنة الميتة) ووفيات حديثى الولادة.
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على توفير معدات الوقاية الشخصية، وتعقيم الإمدادات، وتوفير مستلزمات الصحة الجنسية والإنجابية اللازمة للقابلات والعاملين الصحيين الآخرين لتوفير رعاية جيدة ومستمرة لكل النساء والفتيات. وتوجد حملة عالمية حاليًا تقوم بجمع الأموال لمساعدة هذه المجهودات.
أما بالنسبة للأمهات والقابلات، تقول من تم عمل المقابلات الشخصية معهن، إنهن على الرغم من التحديات التي يواجهنها إلا أنهن متفائلات بالمستقبل.
قالت السيدة مركاج من ألبانيا: "إنني متفائلة وأشعر بالشجاعة". "آمل أن يكون كل شيء على ما يرام".
قال السيد مانغوي: "لقد مررنا بأوقات عصيبة، وأعتقد أننا سنتغلب على ذلك".