أنت هنا

إقليم كردستان العراق— كانت انتصار* في الخامسة عشر من عمرها عندما أجبرها والداها على الزواج، وقد وصفت ما حدث معها بالصفقة التجارية، حيث باعها أهلها لعائلة أخرى ليسددوا ديناً عليهم.

قالت انتصار، والتي تبلغ الآن 37 سنة من العمر، في مقابلة معها مؤخراً: "إن أسوأ شعور يمكن أن تحس به هو عندما يقوم الشخص الذي من المفترض أن يحميك ببيعك، وبكل بساطة."

كان زوجها يكبرها بخمسة وعشرين عاماً، وهو لم ينتظر كثيراً ليبدأ بتعنيفها أو يفوت فرصة ليذكرها مراراً وتكراراً بأنها "ليست إلا ورقة مساومة".

قالت مستذكرة: "لقد أساء معاملتي على مدى 22 عاماً ولم أجرؤ يوماً بأن أنطق ولو بكلمة. كان يؤذيني جسدياً فيضربني بلا أي سبب، ويهينني ويستخدم أكثر الألفاظ الجارحة والمهينة. أتذكر كيف أنه في ليلة من الليالي لم يتوقف عن ضربي بالعصا والصراخ في وجهي: "أنت لا شيء، انت ملكي. أنت بلا قيمة". كنت أبكي كل ليلة على مدى 16 عاماً."

العقاب بسبب إنجاب البنات

ما زاد الطين بلة كان حمل انتصار ثلاث مرات، وفي كل مرة كانت تنجب بنتاً. حصل هذا في مجتمع يفضل الذكر على الأنثى ويعد البنت عالةً على أهلها والولد علامة من علامات رجولة الأب ومصدر من مصادر الرزق للأسرة.

قالت: "كان من الواضح بأن الإثم الأكبر الذي ارتكبته في حياتي هو انجابي للبنات. ظل زوجي يتهمني بأنني امرأة فاشلة، حتى أنه كان يجوعني لليال بعد ولادتي."

ولكن في النهاية، كن البنات الثلاث قد أعطين انتصار القوة لتترك زوجها، فبعد رؤيتهن لأمهن وهي تتعرض للتعنيف أمام أعينهن، قمن بالتدخل.  

قالت انتصار: "جئن بناتي إلي في يوم من الأيام متوسلات بأن أترك والدهن. قلن لي بأنهن يقدرن تضحيتي لأجلهن إلا أنهن لا يتحملن رؤيتي هكذا."

فكرت انتصار كثيراً فيما يعنيه أن تصبح امرأة مطلقة وما ينطوي على ذلك من خطوات بدءاً من الإجراءات القانونية الصعبة للحصول على استقلالها انتهاءً بوصمة العار التي سوف تلاحقها والتحرشات والمضايقات التي يمكن أن تتعرض لها إذا ما أصبحت مطلقة، فأخافتها فكرة أن تبدأ حياتها من الصفر إلا أنها كانت تعرف بأن البقاء لم يعد خياراً ممكناً.

فقد كانت بناتها اللاتي أرينها الطريق.

وضحت: "بناتي أخبرنني عن مركز النساء" في إشارة إلى المركز المساند للنساء والفتيات الذي يدعمه برنامج الأمم المتحدة للسكان من خلال التمويل الذي تقدمه النرويج. وأضافت: "قلن لي بأنني لا يجب أن أبدأ مشواري الجديد بلا أي دعم مناسب وأن الطريقة الوحيدة لأكمل حياتي هو الحصول على نصيحة من متخصص وبأن أكون بين مجموعة من النساء مروا بتجارب تشبه تجربتي."

ويوفر المركز مكاناً آمناً للنساء والفتيات يشاركن فيه مخاوفهن وآمالهن وتجاربهن، كما يوفر المشورة والإحالات للخدمات الصحية والاجتماعية، وإدارة لحالات الناجيات من العنف، و الإحالة للخدمات القانونية التي تقدمه منظمات غير حكومية قريبة. ويخدم المركز ما بين 20 إلى 25 ناجية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

بداية جديدة

تعيش انتصار اليوم مع بناتها وهي حالياً في خضم إجراءات حصولها على الطلاق.  

بدأت انتصار المشاركة في نشاطات مركز المرأة منذ ثلاثة أشهر حيث تحصل هناك على خدمات الدعم النفسي الاجتماعي. قالت انتصار: "لقد التقيت بالباحثة الاجتماعية ثماني مرات وقد أعطتني نصائح رائعة. لقد جعلتني أشعر بأنني أستحق فرصة ثانية في الحياة."

كما أصبح لديها أيضاً شبكة دعم جديدة.

قالت: "أصبح لدي أصدقاء في المركز: نساء مثلي يحاربن حروبهن الخاصة كل يوم. فهن أيضاً ناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأحس بأنهن يتفهمن وجعي. لقد أصبح المركز بيتي والنساء فيه عائلتي."

انتصار الآن في طريقها للتعافي.

قالت: "أنا فخورة بالندب التي على جسدي، وأنا فخورة لأنني اتخذت قرار أن أبدأ حياتي من الصفر حتى أنسى الماضي الأليم والألم الذي حملته في داخلي لسنوات. أنا أدرك الآن بأنني أستحق حياة لائقة وسعيدة."

*لقد تم تغير الاسم لحفظ السرية والحماية