"كان من المفترض بي أن أكون طالبة على مقاعد الدراسة ولكن قاموا بتزويجي بدلاً من ذلك"
هذا ما استذكرته نجمة* والتي بلغت الواحد والثلاثين من العمر وهي تروي قصتها: "كنت قد بلغت 12 من عمري عندما زوجوني من إبن عمي الذي كان في 25 من العمر. قالوا لي حينها أنه سوف يتكفل بالإنفاق على اخوتي ووالدي وأن هذا كان جزءًا من العادات والتقاليد هنا في القامشلي في سورية."
وأكملت: "أتذكر ذلك اليوم جيداً جداً، كان الوقت حوالي الخامسة عصراً عندما دخلت أمي علي الغرفة. كنت جالسة حينها على الأرض ألون في دفتر تلوين الأميرات. جلست أمي على السرير وهمست لي: يا نجمة، غداً سوف تتزوجين من ابن عمك مبارك، بعدها سألتني إن كنت أفهم معنى أن أكون متزوجة. لم أقل شيئاً ونظرت إليها بعينين تائهتين، فأمسكت بيدي وبدأت بشرح ما يعني أن أكون زوجة في مجتمعنا."
قالت: "لديك واجبات وأهمها أن تسعدي زوجك وتعدي له الطعام وتغسلي وتكوي ثيابه وأن تكوني امرأة مطيعة له." فهززت رأسي.
تزوجت نجمة في اليوم التالي من ابن عمها، وبالطبع لم يتم توثيق الزواج في المحكمة لأن العروس كانت الطفلة وبالتالي يعتبر الزواج غير قانوني. في ذلك اليوم ودعت ابنة 12 ربيعاً طفولتها لتلعب دور الزوجة ولتصبح امرأة راشدة.
وكأي عروس طفلة قاست وتحملت معاناة علاقة جسدية لا ترغبها لتجد نفسها حاملاً بعد عدة أشهر من الزواج.
تعرضت نجمة خلال زواجها للتعنيف الجسدي واللفظي، فزوجها كان ينهال عليها بالشتائم والإهانات بشكل دائم متهماً إياها بأنها زوجة عديمة الأهلية والنفع.
قالت نجمة: "لم أكن حرة أبداً في المنزل الذي أخذني إليه. كنت خائفة طوال الوقت لأنه لم يكن يدعني أقوم بأي شيء فهو الذي كان يقرر دائماً كيف يجب أن أعيش حياتي وما يجب أن يحدث فيها. منعني من الذهاب إلى المدرسة وحبسني في المنزل. كانت أكثر الإتهامات والإهانات التي تؤذيني عندما كان يقول لي أنني أم سيئة. لقد كنت أحاول قدر استطاعتي وأعطي كل ما لدي، ولكن في النهاية كنت طفلة تربي طفلاً آخر."
أصبحت نجمة أماً لسبعة أطفال عندما بلغت الخامسة والعشرين من العمر. قالت: "أنا أحب أولادي، ولكن خلال سنوات زواجي الثلاثة عشر، تحملت سبع ولادات ثلاثة منهن كن في أول خمس سنوات. كان ذلك مجهداً ومتعباً."
وفي عام 2015 ونتيجة تفاقم حدة الصراع في سورية ظلأجبر كل من نجمة وزوجها وأولادها ووالديها على الهرب إلى إقليم كردستان العراق حيث وجدوا ملجأ لهم في مخيم دوميز 2. وكان هذا المخيم قد أصبح ملاذاً لما يقارب من 10,500 لاجئ سوري هربوا من ويلات الحرب في سورية، فوجدوا فيه صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي قام بتشغيل وحدة ولادة في المخيم وعيادة صحة انجابية ومركز للشباب ومركز اجتماعي للمرأة.
وبعد أن وصلت العائلة إلى المخيم، اضطرت إلى الإعتماد كلياً على المساعدات الإنسانية خاصة وأن مبارك كان عاطلاً عن العمل. وبعد عام من اللجوء، قررت أم الأطفال السبعة أن تبحث لها عن عمل. قالت شارحة: "لم تكن المساعدات التي كنا نحصل عليها تكفينا، وكانت احتياجات أطفالي في ازدياد ولم يستطع زوجي الحصول على أي عمل. بالإضافة إلى ذلك كان العمل فرصة لي للهرب من ايذائه الذي لم يتوقف حتى بعد نزوحنا."
تنهدت مستذكرة وأضافت: "استطعت أن أقنع واحدة من المنظمات الإنسانية أن تعطيني قطعة أرض صغيرة أستثمرها في زراعة الخضروات لأبيعها في السوق، على الرغم أن شغفي الحقيقي كان عالم الأزياء، فلطالما حلمت بأن أصمم الفساتين للنساء في محلي الخاص."
وبعد أن بدأت العمل بفترة علمت نجمة من جيرانها بأن زوجها يخونها وأنه على علاقة مع الكثير من نساء المخيم. قالت: "عندما واجهته بالأمر بدأ يضربني وظل يردد بأنني عجوز شمطاء الآن وأنه يريد نساء شابات."
بدأت العلاقة بالتدهور منذ تلك اللحظة فتركت نجمة المنزل وأخذت أطفالها وذهبت للعيش في منزل والديها، وهناك سمعت نجمة عن المركز الاجتماعي للمرأة الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان والذي تموله الدينمارك والوكالة السويدية للتنمية الدولية (سيدا). ولم يمض وقت طويل قبل أن بدأت نجمة في زيارة المركز بصورة دورية.
قالت الباحثة الاجتماعية المسؤولة عن ملف نجمة: "رأينا مدى قوة نجمة منذ اللحظة التي انضمت فيها إلى المركز، فكان إصرارها على إعادة سيطرتها زمام حياتها واضحاً للجميع." وأضافت: "جاءتني في يومها الأول وقالت لي بأن زوجها كان يؤذيها ويخونها وأنها لا تبحث عن الشفقة بل عن المساعدة لتقف مرة أخرى على قدميها وتبني حياتها التي سرقت منها عندما كانت في الثانية عشر من عمرها. كانت ابتسامتها وكان شغفها واصراراها دافعاً لغيرها من النساء لفتح قلوبهن للباحثات الإجتماعيات ومصارحتهن بقضاياهن وطلب المساعدة."
ولم يمر وقت طويل حتى طلبت نجمة الطلاق من زوجها بمساعدة من الباحثة الاجتماعية والمكتب القانوني الذي تمت احالتها اليه عبر نظام الإحالة بين المنظمات الإنسانية في المخيم.
قالت نجمة بتصميم واضح: "لقد سرق مني طفولتي إلا أنني استطعت أن أستعيد شبابي. أنا الآن في الواحد والثلاثين من عمري، قوية ومصممة على أن استغل كل يوم في حياتي أفضل استغلال وأن أوفر حياة جيدة لأطفالي. لدي فرصة ولن أضيعها أبداً."
وتعمل أم الأطفال السبعة الآن مدربة في مركز المرأة حيث تعطي دروساً في الخياطة للنساء في المركز، كما أنها حصلت على ماكينة خياطة من فاعل خير وبدأت مشروع خياطتها الخاص في منزلها لتعيل أولادها والديها.
وقالت: "لقد تغيرت حياتي، فالمركز ساعدني أن أكتشف طاقة لو أكن أعلم أني أمتلكها وفي المقابل أريد أن أساعد النساء الناجيات من العنف المنزلي وإعطائهن الفرصة للبدء من جديد، لينهضن من الرماد والركام، كما فعلت أنا."
تم تغيير الإسم لحماية صاحبته